سورة الروم - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


قوله تعالى: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} أي يخرج النطفة من الحيوان ويخرج الحيوان من النطفة. وقيل: يخرج الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة. وقيل يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن {ويحيي الأرض بعد موتها} أي بالمطر وإخراج النبات منها {وكذلك تخرجون} أي مثل إخراج النبات من الأرض تخرجون من القبور للبعث والحساب {ومن آياته خلقكم من تراب} أي خلق أصلكم وهو آدم من تراب {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} أي تنبسطون في الأرض {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً} أي جنسكم من بني آدم وقيل خلق حواء من ضلع آدم {لتسكنوا إليها} أي لتميلوا للأزواج وتألفوهن {وجعل بينكم مودة ورحمة} أي جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان من غير سابقة معرفة ولا قرابة ولا سبب يوجب التعاطف وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير تراحم بينهما إلا الزوجان {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} أي في عظمة الله وقدرته {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم} أي اختلاف اللغات العربية والعجمية وغيرهما وقيل أراد أجناس النطق وأشكاله خالف بينهما حتى لا تكاد تسمع منطقين حتى لو تكلم جماعة من وراء حائط يعرف كل منهم بنطقه ونغمته لا يشبه صوت أحد صوت الآخر {وألوانكم} أي أسود وأبيض وأشقر وأسمر وغير ذلك من اختلاف الألوان وأنتم بنو رجل واحد ومن أصل واحد وهو آدم عليه السلام. الحكمة في اختلاف الأشكال والأصوات للتعارف أي ليعرف كل واحد بشكله وحليته وصوته وصورته فلو اتفقت الأصوات والصور وتشاكلت وكانت ضرباً واحداً لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة وليعرف صاحب الخلق من غيره والعدو من الصديق والقريب من البعيد فسبحان من خلق الخلق على ما أراد وكيف أراد. وفي ذلك دليل على سعة القدرة وكمال العظمة {إن في ذلك لآيات للعالمين} أي لعموم العلم فيهما {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} أي منامكم الليل للراحة وابتغاءكم من فضله وهو طلب أسباب المعيشة بالنهار {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} أي سماع تدبر واعتبار {ومن آياته يريكم البرق خوفاً} أي للمسافر ليستعد للمطر {وطمعاً} أي للمقيم ليستعد المحتاج إليه من أجل الزرع وتسوية طرق المصانع {وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لأيات لقوم يعقلون} أي قدرة الله وأنه القادر عليه {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} قال ابن عباس وابن مسعود قامتا على غير عمد وقيل يدوم قيامهما بأمره {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض} قال ابن عباس من القبور {إذا أنتم تخرجون} أي منها وقيل معنى الآية ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون من الأرض {وله من في السموات والأرض كل له قانتون} مطيعون قال ابن عباس كل له مطعيون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} أي يخلقهم أولاً ثم يعيدهم بعد الموت للبعث {وهو أهون عليه} أي هو هين عليه وما من شيء عليه بعزيز وقيل معناه وهو أيسر عليه فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء وقيل: هو أهون على الخلق وذلك لأنهم يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن يصيروا رجالاً ونساء. وهو رواية عن ابن عباس {وله المثل الأعلى} أي الصفة العليا قال ابن عباس: ليس كمثله شيء وقيل هو الذي لا إله إلا هو {في السموات والأرض وهو العزيز} أي في ملكه {الحكيم} في خلقه.


قوله عز وجل: {ضرب لكم مثلاً} أي بين لكم شبهاً بحالكم ذلك المثل {من أنفسكم} ثم بين المثل فقال تعالى: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} أي عبيدكم وإمائكم {من شركاء فيما رزقناكم} أي من المال {فأنتم فيه سواء} يعني هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} أي تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر من شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمره دون شريكه ويخاف الرجل شريكه في الميراث وهو يحب أن ينفرد به. قال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً فإذا لم تخافوا هذا من مماليككم ولا ترضوه لأنفسكم فكيف ترضون أن تكون آلهتكم التي تعبد ونها شركائي وهم عبيدي {كذلك نفصل الآيات} أي الدلالات والبراهين والأمثال {لقوم يعقلون} أي ينظرون في هذه الدلائل والأمثال بعقولهم {بل اتبع الذين ظلموا} يعني أشركوا بالله {أهواءهم} أي في الشرك {بغير علم} جهلاً بما يجب عليهم {فمن يهدي من أضل الله} أي عن طريق الهدى {وما لهم من ناصرين} أي مانعين يمنعونهم عن عذاب الله. قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين} يعني أخلص دينك لله وقيل سدد عملك والوجه ما يتوجه إلى الله تعالى به الإنسان ودينه وعمله مما يتوجه إليه ليسدده قوله تعالى: {حنيفاً} أي مائلاً إليه مستقيماً عليه {فطرة الله} أي دين الله والمعنى الزموا فطرة {الله التي فطر الناس عليها} قال ابن عباس خلق الناس عليها والمراد بالفطرة الدين وهو الإسلام.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم قال اقرؤوا {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}» زاد البخاري «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسن فيها من جدعاء» ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا فطرة الله الآية ولهما في رواية قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيراً قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قوله: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة» يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله: {ألست بربكم قالوا بلى} فكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وضعت الخلقة عليها وإن عبد غير الله قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} ولكن لا اعتبار بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى ألى قوله: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه» فهو مع وجود الإيمان الفطري فإنه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي خلقه الله عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين فيحملانه على اعتقاد دينهما. وقيل معناه أن كل مولود في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمرت على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول السليمة وإنما يعدل عنه من عدل إلى غيره لأنه من آفات التقليد ونحوه فمن سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره. ثم تمثل لأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والحجة المستقيمة بقوله «كما تنتج بهيمة جمعاء». أي كما تلد البهيمة بهيمة مستوية لم يذهب من بدنها شيء وقوله: «هل تحسون فيها من جدعاء» يعني هل تشعرون أو تعلمون فيها من جدعاء وهي المقطوعة الأذن والأنف. قوله عز وجل: {لا تبديل لخلق الله} أي لا تبدلوا دين الله وقيل معنى الآية الزموا فطرة الله ولا تبدلوا التوحيد بالشرك. وقيل معنى لا تبديل لخلق الله هو جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة فلا يصير السعيد شقياً ولا الشقي سعيداً. وقيل الآية في تحريم إخصاء البهائم {ذلك الدين القيم} أي المستقيم {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قوله عز وجل: {منيبين إليه} أي فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يدخل فيه الأمة والمعنى راجعين إلى الله تعالى بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة {واتقوه} أي ومع ذلك خافوه {وأقيموا الصلاة} أي داوموا على أدائها في أوقاتها {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً} أي صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى وقيل هم أهل البدع من هذه الأمة {كل حزب بما لديهم فرحون} أي راضون بما عندهم. وقوله تعالى: {وإذا مس الناس ضر} أي قحط وشدة {دعوا ربهم منيبين إليه} أي مقبلين إليه بالدعاء {ثم إذا أذاقهم منه رحمة} أي خصباً ونعمة {إذا فريق منهم بربهم يشركون}.


{ليكفروا بما آتيناهم} ليجحدوا نعمة الله عليهم {فتمعتوا} فيه تهديد ووعيد خاطب به الكفار {فسوف تعلمون} أي حالكم هذه في الآخرة {أم أنزلنا عليهم سلطاناً} قال ابن عباس حجة وعذراً وقيل كتاباً {فهو يتكلم} أي ينطق {بما كانوا به يشركون} أي بشركهم ويأمرهم به {وإذا أذقنا الناس رحمة} أي الخصب وكثرة المطر {فرحوا بها} أي فرحوا وبطروا {وإن تصبهم سيئة} أي جدب وقلة مطر وقيل خوف وبلاء {بما قدمت أيديهم} من السيئات إذا {هم يقنطون} أي ييأسون من رحمة الله وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر ربه عند النعمة ويرجوه عند الشدة {أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} تقدم تفسيره. قوله عز وجل: {فآت ذا القربى حقه} أي من البر والصلة {والمسكين} أي حقه وهو التصدق عليه {وابن السبيل} أي المسافر وقيل الضيف {ذلك خير للذين يريدون وجه الله} أي يطلبون ثواب الله بما كانوا يعملون {وأولئك هم المفلحون} قوله عز وجل: {وما آتيتم} أي أعطيتم {من ربا ليربوا في أموال الناس} أي في اجتلاب أموال الناس واجتذابها قيل في معنى الآية هو الرجل يعطي غيره العطية ليثيبه أكثر منها فهو جائز حلال ولكن لا يثاب عليها في القيامة وهذا قوله: {فلا يربو عند الله} وكان هذا حراماً على النبي خاصة لقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} أي لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت وقيل هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله لا يريد به وجه الله. وقيل: هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل ربح ماله لا لتماس عونه لا لوجه الله تعالى فلا يربو عند الله لأنه لم يرد بعمله وجه الله {وما آتيتم من زكاة} أي أعطيتم من صدقة {تريدون وجه الله} أي بتلك الصدقة {فأولئك هم المضعفون} أي يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات.
قوله تعالى: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون} تقدم تفسيره. قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر} أي بسبب الشرك والمعاصي ظهر قحط المطر وقلة النبات في البراري والبوادي والمفاوز والقفار والبحر. قيل المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية والعرب تسمي المصر بحراً تقول: أجدب البر وانقطعت مادة البحر وقيل البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها والبحر هو المعروف وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر بخلو أجواف الأصداف من اللؤلؤ وذلك لأن الصدف إذا جاء المطر ترتفع على وجه الماء وتفتح أفواهها فما وقع فيه من المطر صار لؤلؤاً {بما كسبت أيدي الناس} أي بسبب شؤم ذنوبهم وقال ابن عباس الفساد في البر قتل أحد ابني آدم أخاه وفي البحر غصب الملك الجائر السفينة.
قيل كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان البحر عذباً وكان لا يقصد البقر الغنم فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحاً زعافاً وقصد الحيوان بعضها بعضاً. وقيل: إن الأرض امتلأت ظلماً وضلالة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث رجع راجعون من الناس وقيل أراد بالناس كفار مكة {ليذيقهم بعض الذي عملوا} يعني عقوبة الذي عملوا من الذنوب {لعلهم يرجعون} يعني عن الكفر وأعمالهم الخبيثة {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل} أي لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية {كان أكثرهم مشركين} يعني فأهلكوا بكفرهم.

1 | 2 | 3